سر مفتوح - مكتوم ولكن لم يُنسى: الاقتصاد هو 50% علم نفس
الإصدار المسبق لـ Xpert
اختيار اللغة 📢
نُشر في: ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥ / حُدِّث في: ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥ – بقلم: Konrad Wolfenstein
السر المفتوح للأسواق: لماذا تسيطر العواطف على الاقتصاد أكثر من الحقائق
### قانون الاقتصاد المنسي: لماذا يعتبر 50% مسألة عقلية بحتة ### القوة الخفية: كيف تقرر "الأرواح الحيوانية" حقًا الازدهار والانهيار ### رؤية لودفيج إيرهارد الرائعة، والتي لا تزال أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى ### أكثر من مجرد أرقام: جائزة نوبل التي أثبتت أن الاقتصاد هو علم النفس ###
الجشع والخوف وغريزة القطيع: كيف يتحكم عقلك في أموالك وبالتالي الاقتصاد - وكيف يمكنك التفوق عليه بذكاء
"الاقتصاد علم نفس بنسبة 50%" - هذه المقولة الشهيرة، التي تُنسب غالبًا إلى لودفيغ إرهارد، ليست مجرد عبارة جذابة. إنها تصف حقيقة جوهرية غالبًا ما تُكتم في مجالس الإدارة، وفي أسواق الأسهم، وفي قرارات الشراء اليومية، ولكنها لا تُنسى أبدًا: السلوك البشري ليس دائمًا عقلانيًا، وهذه اللاعقلانية تحديدًا هي ما يُشكل الأسواق بشكل كبير.
بينما تفترض النماذج الاقتصادية الكلاسيكية غالبًا وجود "الإنسان الاقتصادي" الذي يحسب ببرود، يُثبت الواقع مرارًا وتكرارًا عكس ذلك. فالقوى الخفية كالخوف والجشع والتفاؤل وسلوك القطيع - التي يُطلق عليها اقتصاديون مثل جون ماينارد كينز اسم "الغرائز الحيوانية" - هي التي تُحدد فترات الازدهار والانهيار. وما كان في السابق مجرد رؤى بديهية لقادة اقتصاديين مثل إرهارد أو خبير سوق الأسهم أندريه كوستولاني، أصبح الآن مُثبتًا علميًا من خلال الاقتصاد السلوكي، وقد نال جوائز نوبل.
يُسلّط هذا النص الضوء على العلاقة الوثيقة بين علم النفس والاقتصاد. فهو يستكشف أصول هذه الرؤية، ويشرح الآليات النفسية الرئيسية التي تحكم سلوكنا الاقتصادي، ويُسلّط الضوء على الآثار العملية على المستثمرين والشركات والمستهلكين في عالمنا الرقمي الحديث. إن فهم علم النفس الاقتصادي يُمكّننا من اتخاذ قرارات أفضل، ويُقلّل من تبعية تقلبات الأسواق.
٥٠٪ من الاقتصاد هو علم نفس. الاقتصاد نشاط بشري، وليس نشاطًا حاسوبيًا.
لماذا يركز الخبراء مرارا وتكرارا على دور علم النفس في الأعمال؟
إن عبارة "الاقتصاد ٥٠٪ علم نفس" ليست مجرد مقولة جذابة، بل هي وصفٌ لنظرةٍ جوهريةٍ إلى آلية عمل العمليات الاقتصادية، وهو ما تؤكده الأبحاث العلمية حاليًا. ويكتسب العنصر النفسي في الاقتصاد أهميةً بالغة لأنه يفسر لماذا تتصرف الأسواق غالبًا بشكلٍ غير عقلاني، ولماذا لا تكفي النماذج الرياضية أو التقنية البحتة لتفسير الظواهر الاقتصادية.
لا يتخذ الناس قراراتهم الاقتصادية بناءً على الحقائق والأرقام فحسب، بل يتأثرون بشدة بالعواطف والتوقعات وأنماط التفكير اللاواعية. هذه العوامل النفسية قادرة على تحريك أسواق بأكملها وتحفيز دورات اقتصادية. تتجلى أهمية هذه الرؤية جليةً في أوقات الأزمات، عندما يؤدي الخوف والذعر، أو على العكس، التفاؤل المفرط، إلى تحركات حادة في السوق.
من هو صاحب المثل الشهير وكيف جاء؟
يُنسب القول المأثور "الاقتصاد علم نفس بنسبة 50%" إلى المستشار الألماني لودفيغ إرهارد، الذي يُعتبر أباً للمعجزة الاقتصادية الألمانية. منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أدرك إرهارد أن التطورات الاقتصادية لا تُحددها فقط العوامل المادية كالقدرة الإنتاجية أو التقدم التكنولوجي، بل تعتمد إلى حد كبير على التوقعات الذاتية للفاعلين الاقتصاديين ومزاجهم وسلوكياتهم.
انبثقت هذه الرؤية من خبرة إرهارد العملية كوزير للاقتصاد، ثم كمستشار. لاحظ كيف أن العوامل النفسية، كالثقة بالعملة، والتفاؤل بمستقبل الاقتصاد، ومناخ الاستهلاك العام، كان لها تأثير حاسم على التنمية الاقتصادية الفعلية. وأصبحت هذه الصيغة بمثابة جوهر سياسته الاقتصادية، التي لم تعتمد فقط على البيانات الاقتصادية الملموسة، بل سعت أيضًا بوعي إلى التأثير على النفسية الاقتصادية.
كيف انتشرت هذه النظرة في أوساط الأعمال؟
لاقت فكرة أن علم النفس يلعب دورًا محوريًا في الأعمال صدىً سريعًا لدى شخصيات بارزة أخرى في عالم الأعمال. تبنى ألفريد هيرهاوزن، الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه، أفكار إرهارد وصاغها بوضوح أكبر: "50% من الأعمال هي علم نفس. الأعمال نشاط بشري، وليست نشاطًا حاسوبيًا". أبرزت هذه العبارة العنصر البشري في عمليات الأعمال في وقتٍ ازدادت فيه أهمية الحواسيب والنماذج الرياضية.
أدرك هيرهاوزن أنه على الرغم من كل التقدم التكنولوجي، لا يزال الإنسان هو المحرك الرئيسي للقرارات الاقتصادية. وكان تركيزه على العوامل البشرية ذا أهمية خاصة في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أصبح العالم المالي أكثر آلية. وحذّر من الاستهانة بالجوانب العاطفية والنفسية لقرارات الأعمال.
وقد دعمت الخبرة العملية في سوق الأسهم انتشار هذه العقلية. بل إن أندريه كوستولاني، خبير سوق الأسهم الأسطوري، ذهب بهذه النظرية إلى أبعد من ذلك، مدعيًا أن سوق الأسهم هو 90% من علم النفس. وأكدت عقود من مراقبته للأسواق المالية أن العوامل العاطفية، كالجشع والخوف، غالبًا ما تكون أكثر أهمية لتحركات الأسعار من البيانات الأساسية للشركات.
ماذا يعني هذا المكون النفسي على وجه التحديد؟
يتجلى الجانب النفسي للاقتصاد في أشكال مختلفة من السلوك البشري التي تؤثر بشكل مباشر على العمليات الاقتصادية. أولًا، يتعلق بدور العواطف في القرارات الاقتصادية. فالناس لا يشترون بناءً على اعتبارات عقلانية فحسب، بل يتأثرون أيضًا بشدة بمشاعر مثل الثقة والخوف والأمل والنشوة. تؤثر هذه المشاعر على قرارات الشراء الفردية وحركة السوق الجماعية.
تلعب التوقعات دورًا محوريًا في علم النفس الاقتصادي. فعندما يكون المستهلكون متفائلين بالمستقبل، يزداد احتمال استهلاكهم واستثمارهم. أما التوقعات المتشائمة، فتؤدي إلى سلوك أكثر حذرًا، مما يؤثر بدوره على التنمية الاقتصادية. وتُعد هذه النبوءات ذاتية التحقق آلية مهمة تُحدث من خلالها العوامل النفسية آثارًا اقتصادية حقيقية.
تُمثل التحيزات المعرفية جانبًا مهمًا آخر. لا يتخذ الناس دائمًا قراراتهم بعقلانية، بل يتعرضون لأخطاء في التفكير المنهجي، مثل تحيز التوافر أو تحيز التأكيد. قد تؤدي هذه التحيزات إلى تحركات غير عقلانية في السوق، وتفسر انحراف الأسواق غالبًا عن التقييمات العقلانية.
كيف تطورت الدراسة العلمية لهذه الظواهر؟
بدأ البحث العلمي في الجوانب النفسية للأعمال في أوائل القرن العشرين. وقد أرسى هوغو مونستربيرغ، الذي يُعتبر أبا علم نفس الأعمال، أسس نهج تجريبي للعوامل النفسية في الأعمال من خلال كتابه "علم النفس والحياة الاقتصادية" الصادر عام ١٩١٢. وقد أدرك منذ وقت مبكر أن الرؤى النفسية يمكن، بل وينبغي، أن تجد تطبيقًا عمليًا في مجال الأعمال.
انطلقت الموجة الثانية من التطوير في خمسينيات القرن الماضي على يد جورج كاتونا في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي كرّس جهوده للعمليات الاقتصادية الكلية، وبحث في أهمية ثقة المستهلك في التنمية الاقتصادية الشاملة. طوّر كاتونا أساليب لقياس العوامل النفسية، مثل ثقة المستهلك، وأثبت ارتباطها بالمؤشرات الاقتصادية.
منذ ثمانينيات القرن الماضي، نشأ فرع من علم النفس الاقتصادي في الدول الناطقة بالألمانية، يستخدم بشكل متزايد الرؤى النفسية الاجتماعية لتفسير السلوك الاقتصادي والتنبؤ به. وقد أدى هذا التطور إلى ظهور علم الاقتصاد السلوكي كتخصص علمي مستقل يدمج الرؤى النفسية في النماذج الاقتصادية.
ما هو الدور الذي يلعبه الاقتصاد السلوكي في هذا السياق؟
يُوفر علم الاقتصاد السلوكي، المعروف أيضًا باسم الاقتصاد السلوكي، الأساس العلمي للاعتراف بأن الاقتصاد، إلى حد كبير، علم نفسي. يبحث هذا التخصص بشكل منهجي في كيفية اتخاذ الأفراد للقرارات الاقتصادية، على عكس افتراضات النظريات الاقتصادية التقليدية حول الفاعلين العقلانيين.
يُظهر الاقتصاد السلوكي أن الناس ينحرفون بانتظام عن توقعات نموذج "الإنسان الاقتصادي"، الذي يفترض دائمًا سلوكًا عقلانيًا يسعى إلى تعظيم المنفعة. بل يتخذ الناس قراراتهم متأثرين بالعواطف، والأعراف الاجتماعية، والعقلانية المحدودة، والتحيزات المعرفية المختلفة.
تشمل الرؤى المهمة المستقاة من الاقتصاد السلوكي ظواهر مثل النفور من الخسارة، حيث يُقيّم الناس الخسائر بشكل أكبر من المكاسب التي تُعادلها، وتأثير الهبة، حيث يُقدّر الناس الأشياء التي يمتلكونها بالفعل بشكل أكبر. لهذه النتائج آثار عملية على مجالات مثل تصميم المنتجات، واستراتيجيات التسعير، والاتصالات التسويقية.
كان لباحثين مثل دانيال كانيمان وآموس تفيرسكي، الحائزين على جائزة نوبل عن عملهما في نظرية الاحتمالات، دورٌ كبيرٌ في تطوير علم الاقتصاد السلوكي. وقد أثبت بحثهما أن "اللاعقلانية" المنهجية في السلوك البشري قابلة للتنبؤ، ويمكن دمجها في النماذج الاقتصادية.
ماذا يقصد بـ "الأرواح الحيوانية" عند كينز؟
صاغ الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز مصطلح "الغرائز الحيوانية" في كتابه "النظرية العامة للتوظيف والفائدة والمال" الصادر عام ١٩٣٦، وهو يصف العناصر غير العقلانية في النشاط الاقتصادي. استخدم كينز هذا المصطلح لشرح سبب عدم استناد قرارات الاستثمار في كثير من الأحيان إلى حسابات عقلانية، بل إلى تفاؤل أو تشاؤم عفوي.
عرّف كينز الغرائزَ الحيوانية بأنها "تفاؤلٌ تلقائي" و"اندفاعٌ تلقائيٌّ نحو الفعل لا نحو الجمود". وأدرك أن الفاعلين الاقتصاديين غالبًا ما يعجزون عن اتخاذ قراراتهم بناءً على تحليل رياضي شامل لأن المستقبل غامض. وبدلاً من ذلك، يعتمدون على الغرائز والعواطف والحدس.
يُفسر مفهوم "الغرائز الحيوانية" سبب ردود فعل الأسواق غير العقلانية في كثير من الأحيان، ولماذا تتسم الدورات الاقتصادية بفترات من النشوة والكساد. ففي فترات ارتفاع "الغرائز الحيوانية"، تستثمر الشركات أكثر ويستهلك المستهلكون أكثر، مما يُحفز الاقتصاد. أما في فترات انخفاض "الغرائز الحيوانية"، فيحدث العكس، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي.
تتجلى أهمية الغرائز الحيوانية بشكل خاص في الأزمات المالية، عندما تتحول المشاعر بسرعة من التفاؤل المفرط إلى الخوف العميق. يمكن أن تُسفر هذه التقلبات العاطفية عن تداعيات اقتصادية تتجاوز بكثير ما تُبرره البيانات الأساسية.
كيف يتجلى علم النفس في القطاعات الاقتصادية المختلفة؟
يتجلى العنصر النفسي للاقتصاد في جميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا، ولكنه يتجلى بشكل خاص في سيكولوجية السوق وسلوك المستهلك. في الأسواق المالية، تؤدي العوامل النفسية إلى ظواهر مثل فقاعات المضاربة وانهيارات السوق، والتي غالبًا ما لا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيم الأساسية للأدوات المتداولة.
في مجال الاستهلاك، يلعب علم النفس دورًا محوريًا في قرارات الشراء. يتأثر المستهلكون ليس فقط بالعوامل العقلانية كالسعر والجودة، بل أيضًا بالجوانب العاطفية والأعراف الاجتماعية والارتباطات اللاواعية. يدرس علم نفس المستهلك بشكل منهجي كيفية تفاعل هذه العوامل وكيفية استغلالها من قبل الشركات.
في إدارة الشركات، يتجلى العنصر النفسي في مجالات مثل تحفيز الموظفين، وثقافة المنظمة، وأساليب القيادة. ويُظهر علم النفس الصناعي والتنظيمي أن بيئات العمل الإنتاجية لا تعتمد فقط على العوامل التقنية والتنظيمية، بل تعتمد أيضًا بشكل كبير على الجوانب النفسية مثل الثقة والتقدير والتكامل الاجتماعي.
تلعب الاعتبارات النفسية دورًا هامًا في السياسة الاقتصادية. فالسياسيون لا يأخذون في الاعتبار الآثار الاقتصادية الموضوعية لقراراتهم فحسب، بل أيضًا الآثار النفسية لإجراءاتهم على ثقة الجمهور والتوجهات الاقتصادية العامة.
🎯🎯🎯 استفد من خبرة Xpert.Digital الواسعة والخماسية في حزمة خدمات شاملة | البحث والتطوير، XR، العلاقات العامة والتسويق عبر محرك البحث
آلة العرض ثلاثية الأبعاد AI وXR: خبرة خمسة أضعاف من Xpert.Digital في حزمة خدمات شاملة، R&D XR، PR وSEM - الصورة: Xpert.Digital
تتمتع Xpert.Digital بمعرفة متعمقة بمختلف الصناعات. يتيح لنا ذلك تطوير استراتيجيات مصممة خصيصًا لتناسب متطلبات وتحديات قطاع السوق المحدد لديك. ومن خلال التحليل المستمر لاتجاهات السوق ومتابعة تطورات الصناعة، يمكننا التصرف ببصيرة وتقديم حلول مبتكرة. ومن خلال الجمع بين الخبرة والمعرفة، فإننا نولد قيمة مضافة ونمنح عملائنا ميزة تنافسية حاسمة.
المزيد عنها هنا:
التحول الرقمي وسلوك القطيع: كيف يؤثر علم النفس على الأسواق الحديثة
ما هي المؤشرات التي تقيس البعد النفسي للاقتصاد؟
لقياس البعد النفسي للاقتصاد، طُوّرت مؤشرات متنوعة لقياس مشاعر وثقة مختلف الجهات الفاعلة اقتصاديًا. وتُعد ثقة المستهلك من أهم المؤشرات في هذا المجال. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يُجرى استطلاع دوري لمؤشر مناخ المستهلك الصادر عن شركة GfK. ويقيس هذا المؤشر مواقف المستهلكين تجاه وضعهم المالي، ونواياهم الشرائية، وتوقعاتهم بشأن التنمية الاقتصادية.
على المستوى الأوروبي، يوجد مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن المفوضية الأوروبية، والذي يُقارن ثقة المستهلكين في جميع دول الاتحاد الأوروبي. تستند هذه المؤشرات إلى استطلاعات رأي تمثيلية، وتقيس تقييمات المستهلكين الحالية وتوقعاتهم للأشهر الاثني عشر المقبلة.
بالإضافة إلى ثقة المستهلك، هناك أيضًا مؤشرات لثقة الشركات وثقة المستثمرين. تقيس هذه المؤشرات التوقعات والمعنويات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتوفر فهمًا دقيقًا للاستثمارات المخطط لها وقرارات الأعمال. يوفر الجمع بين مؤشرات الثقة المختلفة صورة شاملة للحالة النفسية للاقتصاد.
تُستخدم في الأسواق المالية مؤشرات نفسية، مثل مؤشر VIX، الذي يقيس مخاوف المستثمرين وعدم يقينهم. تساعد هذه المؤشرات على فهم تحركات السوق غير المنطقية وتحديد نقاط التحول المحتملة في اتجاهات السوق.
كيف تؤثر التحيزات المعرفية على القرارات الاقتصادية؟
الانحيازات المعرفية هي أخطاء منهجية في التفكير قد تؤدي إلى قرارات اقتصادية غير مثالية. تنشأ هذه الانحيازات من عمليات معالجة المعلومات المبسطة في الدماغ، والتي تُفيد في كثير من الحالات، ولكنها قد تؤدي إلى أخطاء في سياقات اقتصادية معقدة.
يُعدّ الاستدلال بالارتكاز أحد أكثر التحيزات المعرفية شيوعًا في الاقتصاد. فهو يدفع الناس إلى التركيز المفرط على المعلومة الأولى التي يتلقونها، وعدم تكييف تقييماتهم اللاحقة بما يكفي مع المعلومات الجديدة. وقد يؤدي هذا إلى نتائج دون المستوى الأمثل، على سبيل المثال، في مفاوضات الأسعار أو قرارات الاستثمار.
يدفع هذا الاستدلال الناس إلى تقييم احتمالية وقوع الأحداث بناءً على سهولة تذكرهم لحالات مماثلة. قد يؤدي هذا إلى تقييمات غير دقيقة للمخاطر إذا شوّهت أحداثٌ حديثةٌ أو مذهلةٌ التصورات.
يدفع الانحياز التأكيدي الناس إلى البحث عن المعلومات التي تُؤكد معتقداتهم القائمة، متجاهلين أو مُستبعدين المعلومات المُناقضة. في الشركات، قد يُؤدي هذا إلى أخطاء استراتيجية إذا أغفل القادة إشارات التحذير أو اتبعوا استراتيجيات خاطئة لفترة طويلة.
ما هي التأثيرات العملية لهذه النتيجة على الشركات؟
إن إدراك أن الاقتصاد، إلى حد كبير، علم نفسي، له آثار عملية واسعة النطاق على الشركات في مختلف القطاعات. ففي مجال التسويق، تستخدم الشركات الرؤى النفسية لتسويق منتجاتها وخدماتها بنجاح أكبر. ويشمل ذلك استهداف الاحتياجات العاطفية، والاستفادة من الدليل الاجتماعي، وتصميم بيئات شراء تُحفّز استجابات نفسية إيجابية.
في إدارة الموارد البشرية، تُساعد الرؤى المُستمدة من علم نفس الأعمال على تحفيز الموظفين والاحتفاظ بهم. تُدرك الشركات بشكل متزايد أن الحوافز المادية وحدها لا تكفي؛ فعوامل مثل التقدير، والعمل الهادف، والإدماج الاجتماعي تُعدّ عوامل مهمة أيضًا. واليوم، يُراعي تصميم أماكن العمل وثقافات المؤسسات الجوانب النفسية بشكل متزايد.
عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية، يمكن للشركات اتخاذ قرارات أفضل من خلال إدراك التحيزات المعرفية. ويشمل ذلك تطبيق عمليات صنع قرار تقلل من أخطاء التفكير المنهجي، وبناء ثقافة مؤسسية تشجع التفكير النقدي وتنوع وجهات النظر.
في إدارة المخاطر، تُساعد الرؤى النفسية على تجنب القرارات غير العقلانية وتحقيق تقييم أكثر توازناً للفرص والمخاطر. وهذا مهمٌّ بشكل خاص في الأسواق المتقلبة، حيث قد تُؤدي ردود الفعل العاطفية إلى أخطاء باهظة التكلفة.
كيف تطورت أهمية علم نفس الأعمال في الأعمال الحديثة؟
ازدادت أهمية علم النفس الاقتصادي في عالم الأعمال الحديث باستمرار، لا سيما منذ مطلع الألفية. وقد أظهر تراكم الأحداث الاقتصادية المتطرفة، مثل طفرة الاقتصاد الجديد، وأزمة الإنترنت، وأزمة الرهن العقاري عالي المخاطر، والأزمة المصرفية، أن النماذج الاقتصادية التقليدية غير كافية لتفسير الظواهر الاقتصادية الحديثة.
أبرزت هذه الأزمات دور العواطف الإنسانية والتفكير العقلاني في العمليات الاقتصادية. برز الجشع والخوف وتوقعات الأرباح المبالغ فيها وتقييمات المخاطر غير الدقيقة كعوامل رئيسية في عدم الاستقرار الاقتصادي. ولم تستطع النماذج التقليدية، التي افترضت وجود جهات فاعلة عقلانية، تفسير هذه الظواهر.
في عالمنا اليوم، الذي يتميز بالرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، تتزايد أهمية العوامل النفسية باستمرار. تنتشر المعلومات أسرع، وتتضاعف ردود الفعل العاطفية، ويمكن لسلوك القطيع أن ينتشر بسرعة أكبر من خلال الشبكات الرقمية. وهذا يجعل فهم الآليات النفسية الاقتصادية أكثر أهمية للشركات وصانعي السياسات.
لقد أبرزت جائحة كوفيد-19 مجددًا أهمية علم النفس الاقتصادي. ولم يقتصر الأثر الاقتصادي للجائحة على القيود الموضوعية، بل شمل أيضًا عوامل نفسية كالريبة والخوف وتغير عادات الاستهلاك. كما يعتمد التعافي الاقتصادي بشكل كبير على عوامل نفسية كثقة المستهلك ورغبة المستثمرين في المخاطرة.
ما هي الانتقادات الموجهة إلى التركيز المفرط على العوامل النفسية؟
على الرغم من الاعتراف الواسع بأهمية العوامل النفسية في الاقتصاد، إلا أن هناك أصواتًا ناقدة تُحذّر من المبالغة في التركيز عليها. ويرى بعض الاقتصاديين أن التركيز على الجوانب النفسية قد يؤدي إلى إهمال العوامل الهيكلية والمادية. ويؤكدون أن الظروف الاقتصادية الحقيقية، مثل الإنتاجية، وتوافر الموارد، والتقدم التكنولوجي، تُحدد في نهاية المطاف الاتجاهات الاقتصادية طويلة الأجل.
يجادل النقاد أيضًا بأن قابلية قياس العوامل النفسية محدودة، وأن مؤشرات الثقة غالبًا ما تكون ذات قدرة تنبؤية محدودة. ورغم أن هذه المؤشرات قد توفر مؤشرات مهمة على المشاعر الحالية، إلا أن قدرتها على التنبؤ بالتطورات الاقتصادية المستقبلية مثيرة للجدل.
هناك انتقاد آخر يتعلق بإمكانية التلاعب بالعوامل النفسية. فإذا أدرك الفاعلون الاقتصاديون أهمية هذه العوامل، فقد يحاولون التأثير عليها لمصلحتهم، مما قد يؤدي إلى تشوهات إضافية. وهذا يثير تساؤلات أخلاقية حول التلاعب بمشاعر المستهلكين وتوقعات السوق.
وأخيرًا، يجادل بعض النقاد بأن التركيز على العوامل النفسية قد يؤدي إلى فهمٍ حتمي للسلوك البشري، يقلل من شأن قدرة الناس على اتخاذ قرارات عقلانية والتعلم من التجارب. ويؤكدون أن الناس قادرون تمامًا على إدراك تحيزاتهم المعرفية وتصحيحها.
كيف يمكن للفاعلين الاقتصاديين التعامل مع البعد النفسي؟
نظراً لأهمية العوامل النفسية في الأعمال، يُطرح السؤال حول كيفية تعامل الجهات الفاعلة الاقتصادية مع هذا البعد بشكل بنّاء. بالنسبة للشركات، يتطلب هذا أولاً تطوير وعي بدور العوامل النفسية في عملياتها التجارية. ويشمل ذلك فهم سلوك عملائها والتفكير في عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بها.
يمكن أن يُساعد تطبيق عمليات صنع قرار منهجية في الحد من التحيزات المعرفية. ويشمل ذلك أساليب مثل دمج وجهات نظر متنوعة في هيئات صنع القرار، والبحث المنهجي عن المعلومات المتضاربة، ومراجعة الافتراضات والاستراتيجيات بانتظام. كما يمكن للشركات الاستعانة بمستشارين خارجيين أو "محامي الشيطان" لتجنب التفكير الجماعي.
من المهم للمستثمرين والمشاركين في الأسواق المالية فهم انفعالاتهم والتحكم فيها. ويمكن تحقيق ذلك من خلال استراتيجيات استثمارية منضبطة، وتنويع محافظهم الاستثمارية، وتجنب القرارات التي تحركها العواطف. إن إدراك المرء لتحيزاته المعرفية يُساعد على تجنب الأخطاء المنهجية.
يمكن لصانعي السياسات الاستفادة من البعد النفسي لتصميم سياسات اقتصادية أكثر فعالية. ويشمل ذلك إيصال سياساتهم ومراعاة الآثار النفسية في عملية صنعها. فالتواصل الجاد والمستمر يُسهم في بناء الثقة في السياسات الاقتصادية وتحقيق الآثار النفسية المرجوة.
ما هي الآفاق المستقبلية التي يمكن أن تنشأ من هذه الرؤية؟
إن إدراك أن الاقتصاد، إلى حد كبير، علم نفسي يفتح آفاقًا مستقبلية متنوعة لمزيد من تطوير الاقتصاد والممارسة الاقتصادية. ويمكن للباحثين أن يتوقعوا دمجًا أكبر للأساليب والرؤى النفسية في النماذج الاقتصادية. ومن المتوقع أن يواصل الاقتصاد السلوكي اكتساب أهمية ويفتح مجالات تطبيقية جديدة.
تُتيح الرقمنة فرصًا جديدة لالتقاط وتحليل العوامل النفسية في مجال الأعمال. تُساعد تحليلات البيانات الضخمة على رصد أنماط السلوك والحالات المزاجية آنيًا واستخدامها في اتخاذ القرارات التجارية. كما يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد في اكتشاف الأنماط النفسية المُعقدة والتنبؤ بها.
في الممارسات المؤسسية، يُتوقع زيادة الاحترافية في التعامل مع العوامل النفسية. يشمل ذلك تطوير أدوات وأساليب أفضل، بالإضافة إلى تدريب المديرين وصانعي القرار على مهارات علم النفس التجاري. ومن المتوقع أن تستثمر الشركات بشكل أكبر في التحليل النفسي لعملائها وموظفيها.
يمكن للتنظيم أيضًا أن يأخذ في الاعتبار الرؤى النفسية بشكل أكبر. قد يؤدي التمويل السلوكي والاقتصاد السلوكي إلى مناهج جديدة لتنظيم الأسواق المالية تأخذ في الاعتبار الأنماط السلوكية الفعلية للمشاركين في السوق. وهذا قد يؤدي إلى تدابير تنظيمية أكثر فعالية تتضمن الجوانب العقلانية وغير العقلانية للسلوك البشري.
الأهمية للمستقبل
تطور إدراك أن الاقتصاد يُشكل 50% من علم النفس من فهم بديهي لممارسين ناجحين مثل لودفيج إرهارد إلى حقيقة علمية راسخة. يؤكد علم الاقتصاد السلوكي الحديث ما كان يشتبه به قادة الأعمال منذ زمن طويل: تلعب العواطف البشرية والتوقعات والتحيزات المعرفية دورًا محوريًا في العمليات الاقتصادية.
لهذه النتيجة آثارٌ بعيدة المدى على جميع مجالات الأعمال. فالشركات التي تفهم الجوانب النفسية لأنشطتها التجارية وتراعيها تستطيع اتخاذ قراراتٍ أفضل، والتفاعل مع عملائها بنجاحٍ أكبر، وإدارة موظفيها بفعاليةٍ أكبر. كما يستطيع المستثمرون الذين يدركون نقاط ضعفهم النفسية اتخاذ قرارات استثماريةٍ أكثر عقلانية. ويستطيع صانعو السياسات الذين يأخذون العوامل النفسية في الاعتبار وضع سياساتٍ اقتصاديةٍ أكثر فعالية.
في الوقت نفسه، من المهم عدم المبالغة في تقدير البعد النفسي، وعدم إهمال العوامل الهيكلية والمادية. فالمستقبل، على الأرجح، يكمن في نهج متوازن يراعي الجوانب العقلانية والعاطفية للسلوك البشري. وسيكون التطوير المستمر لعلم نفس الأعمال وتطبيقاته العملية أمرًا بالغ الأهمية لمدى قدرتنا على التغلب على التحديات الاقتصادية في عالم يزداد تعقيدًا وترابطًا.
إن العبارة التي تقول "إن الاقتصاد يتكون بنسبة 50% من علم النفس" لا تظل مجرد اقتباس مثير للاهتمام تاريخيًا فحسب، بل تظل أيضًا رؤية ذات صلة دائمة بفهم وتشكيل العمليات الاقتصادية في العالم الحديث.
شريكك العالمي في التسويق وتطوير الأعمال
☑️ لغة العمل لدينا هي الإنجليزية أو الألمانية
☑️ جديد: المراسلات بلغتك الوطنية!
سأكون سعيدًا بخدمتك وفريقي كمستشار شخصي.
يمكنك الاتصال بي عن طريق ملء نموذج الاتصال أو ببساطة اتصل بي على +49 89 89 674 804 (ميونخ) . عنوان بريدي الإلكتروني هو: ولفنشتاين ∂ xpert.digital
إنني أتطلع إلى مشروعنا المشترك.